عملي كسائق أجرة أدخلَني إلى عالم خطير

عندما إشتريتُ سيّارتي وحولتُها إلى مركبة أجرة، كان قصدي الربح طبعاً ولكن التسلية أولاً. فبعد أن تقاعدتُ مِن وظيفتي وقبضتُ تعوضي، قررتُ أن أرتاح في البيت. ولكنّ الضجر سكنَني بسرعة، لأنّ ولدَيّ كنا قد تزوّجا ولأنّني كنتُ قد فقدتُ زوجتي مِن بضعة سنين. لذا فكّرتُ بطريقة تنسيني الوقت الذي باتَ يمرّ ببطء شديد . وعندما بدأتُ عملي كَسائق تاكسي، أحبَبتُ الناس والطرقات وكل ما يأتي معها، وكنت أهوى الليل أكثر لأنّ زبائني كانت تختلف عن أولئكَ الذين ألتقي بهم نهاراً ولأن الأضواء تضيف على الأجواء بعض الإثارة والرومانسيّة. ولكنّني لم أتخيّل أنّ عملي هذا، سيأخذني إلى عالم كنت أجهل وجوده.
كل شيء بدأ في ذات مساء، في حوالي الساعة الثانية صباحاً، حين كنت مراً في إحدى الشوارع المليئة بالملاهي الليليّة. كنت قد إعتدتُ على المرور مِن هناك لكثرة الناس التي تخرج مِن الحانات متّجهة إلى منازلها. وحين رأيتُ تلك الفتاة واقفة على حافة الطريق، توقّفتُ أمامها وسألتُها إن كانت تريد سيّارة أجرة. أجابَت أنّها بالفعل كانت تريد تاكسي، وصعدَت على المقعد الخلفي وأعطَتني عنواناً ولكنّها طلبَت منّي أخذ طريقاً غير المتّبع عادةً للوصول الى هناك، لأنّها تريد المرور عند صديقة لها لإعطائها شيئاً ما. لم أستغرب كثيراً، لأنّني كنت قد إعتدتُ على طلبات غريبة مِن قبَل زبائن الليل. وهكذا أوقفتُها أمام مبنًى مظلم وترجّلَت وقالت أنّها ستعود بعض دقائق قليلة. وكما وعدَتني خرجَت مِن حيث دخلَت ولكن مع حقيبة صغيرة وبرفقة صديقتها التي لم أرَها جيّداً بسبب الظلمة، ولكنّني شعرتُ أنّني أعرفُها مِن مكانٍ ما. قلتُِ لِنفسي أنّها قد تكون قد ركِبة في سيّارتي في إحدى المرّات، لذا لّم أفكّر كثيراً في الموضوع. وإسترجَعت الفتاة مكانها في سيارتي وقالت لي:

 

- أنتَ سائق جيّد وأظنّ أنّكَ مِن النوع الكتوم أم أنّني مخطئة؟

 

- عملي هو أن أقِلّ الناس مِن مكانٍ إلى آخر وليس أكثر... طالما أتقاضى أتعابي، فلا يهمّني شيئاً آخراً...

 

- ممتاز... إسمي فيفي... بالطبع ليس هذا إسمي الحقيقي ولكنّنا سنستعمله مِن الآن وصاعداً... أعطِني رقمكَ فقد أحتاج إليك قريباً. 

 

وبالرغم أنّني شعرتُ أنّ ما تفعلَه تلك الفتاة ليس قانونياً، أعطيتُها رقم هاتفي لأنّني كما قلت كنت بحاجة إلى بعض الإثارة في حياتي بعدما قضيتُ عمري أعمل وراء مكتب في شركاة لا يحصل فيها شيء. وكان قد حان الأوان أن أضيف على حياتي عنصر المغامرة، قبل أن أشيخ وأضطرّ للركود على كرسي أو في الفراش. وبعد أن أوصلتُها إلى منزلها، عدتُ أنا أيضاً إلى بيتي ونمتُ نوماً عميقاً. وعندما إستفقتُ كانت فيفي وأصدقاؤها وأعمالها المشبوهة قد غادرَت فكري. وعاودتُ عملي كالمعتاد ومرَّت أيّام عديدة، حتى أن أتصلَت بي فيفي وطلبَت منّي أن آخذَها مِن نفس الشارع إلى نفس العنوان. وإنطلقتُ إليها. وجدتُها في إنتظاري وبعد أن صعدَت معي، ألقَت التحيّة عليّ وكأنّنا أصدقاء قدامى. ثم سألَتني:

 

- ما اسمكَ؟

 

- إبراهيم... وهذا إسمي الحقيقي.

 

- إسمك مملّ للغاية... سأنديكَ هيمو... هل يزعجكَ ذلك؟

 

- أبداً... قلتُ لكِ سابقاً... ما يهمّني هو أن تعطني أجرتي والباقي تفاصيل لا أهميّة لها.

 

- أنتَ تعجبني أكثر وأكثر يا هيمو... هيا بنا!

 

وأخذتُها إلى المبنى المظلم وبعد أن نزلَت، عادَت كالمرّة السابقة بعد أقل مِن عشر دقائق مع حقيبة ومع صديقتها.

 

وكانت هذه الأخيرة تتصّرف وكأنّها تتأكّد لها أن الطريق سالك، فعندما رأيتهنّ إستعدّيت للقإلاع بِِسرعة كي لا نضيّع الوقت. فأضأتُُ مصابيح السيّارة، فإذ بالضوء ينير وجه الفتاتَين. وفي تلك اللحظة خطفتُ صرخة كادَت أن تخرج مِن فمي بعدما تعرّفتُ إلى كنّتي زوجة إبني الصغير. ومِن حسن حظّي أنّ صوت المحرّك غطّى صوتي وأنّ نور مصابيحي أعماها ومنعَها مِن رؤيتي.فبعد أن ودّعَت فيفي رفيقتها وركبَت معي، إنطلَقتُ بِسرعة فائقة لِدرجة أنّها سألَتني:

 

- ما بِكَ؟

 

- كان علينا الرحيل مِن هناك بأسرع وقت لئلا جاءَت الشرطة... أعلم أنّ ما تفعلينه لا يتماشى مع القانون...

 

- معك حق...

 

- قولي لي يا فيفي... صديقتكِ جميلة جداً...

 

- هل أعجبَتكَ؟ أستطيع أن أكلّمها بِشأنكَ...

 

- لا! ليس هذا ما عنيتُه... على كلّ حال إنا أكبر منها سنّاً...

 

- العمر لا دخل له... زوجها شاب ولكنّه يهملها... هو مِن نوع الرجال الذين يفضّلون عملهم على نسائهم... عندما تكون هنا تقول له أنّها نائمة عند صديقة لها ولم يتكبّد يوماً العناء أن يسألها أين تسكن تلك الصديقة أو مَن هي.

 

- ربما يثق بها أكثر مِن اللازم... هل تتاجر بِمحاسنها؟

 

- لا... هي تسهّل لي تمرير البضاعة لأوزّعها... ولكنّها لا تمانع أن تلتقي بمعارفي مِن وقت لآخر... 

 

لن أستطيع وصف حالتي عندما رأيتُ كنّتي إلهام، فكانت آخر مَن أتوقّع إيجاده في مكان مشبوه كهذا ولم أصدّق أذنيّ عندما أخبرَتني فيفي أنّها تساعدها على الإتجار بالمخدّرات وأنّها لا تمانع تقديم خدمات جنسيّة لِمَن يطلب منها ذلك. وبالطبع لم أنم قط تلك الليلة، محاولاً إيجاد طريقة لِتنبيه ولدي على ما يجري مِن دون جزّه بِأمور لا دخل له بها.

 

لذا قرّرتُ أن أتصرّف بِنفسي لأعرف بالتحديد مدى تورّط إلهام. فأخذتُ هاتفي وإتصلتُ بِفيفي:

 

- مرحباً... أريد منكِ أن تساعديني... عملي كَسائق أجرة لم يعد يكفيني خاصة بعدما ساءَت أحوال أولادي ولم يعودوا قادرين على مساعدتي ماليّاً... وأنا مستعدّ لِفعل أشياء... أشياء غير نظاميّة دون أن أطرح أسئلة.

 

- أعرف ذلك... دعني أجري بعض الإتصالات وسأعطيكَ جواباً بأسرع وقت، فأنا لستُ على رأس تجارتنا... هناك أناساً أكبر منّي بِكثير...

 

وفور إقفال الخط مع فيفي، خرجتُ مِن المنزل وتوجّهتُ إلى مركز الشرطة وطلبتُ مقابلة مسؤولاً في محاربة المخدّرات. وحين جلستُ معه، قلتُ له:

 

- قبل أن أخبركَ ما عندي، عليكَ أوّلاً إعطائي وعداً بألا تورّط إبني بالموضوع، لأنّ لا علم له بما يحصل ولو لا خوفي عليه لّما جئتُ إليكَ أبداً.

 

وبعد أن أكّدَ لي التحرّي أنّ لا أحد سيتعرّض لِولدي إن كان بريئاً، قلتُ له كل ما أعرفه عن فيفي وشبكتها وقدّمتُ نفسي لِمساعدة العدالة وطلبتُ الإذن لِمتابعة الخطّة التي بدأتُها. نبّهني المحقّق على خطورة التعامل مع هؤلاء الناس وطلبَ منّي أن أطلعَه على كلّ خطوة أنوي فعلها. وهكذا عدتُ إلى بيتي أنتظر بِفارغ الصبر إتصال فيفي الذي جاء في اليوم التالي. حدّدَت لي موعداً مع رئيسها الذي طلبَ أن يراني قبل أن يضمّني إلي فريقه. وبالطبع أبلغتُ الشرطة عن مكان وزمان اللقاء وطلبَ منّي التحرّي عدم التدخّل لأنَهم سيطوّقون المبنى وقد يحصل تبادل نار بينهم وبين المهرّبين. وبعد أن أُلقيَ القبض على العصابة، طلبَ منّي الشرطي موافاته إلى القسم للتعرّف على فيفي وإلهام مِن وراء المرآة لكي لا تعلمنَ أنّني الذي أوشى بهنّ. وهكذا تمّ سجن كل ما له علاقة بالأمر وطلبَ إبني الطلاق مِن زوجته بعدما فوجئ بأمر إشتراكها بتجارة الممنوعات وتعاطي الدعارة. وأصيبَ المسكين بإحباط كبير، فأخذتُه إلى منزلي أهتمّ به وأساعده على إجتياز خيبة أمله بالتي أحبّها وعملَ جهده لتأمين حياة كريمة لها.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button