إبني ام زوجتي؟

إنتظرتُ بصبر شديد أن يُلبّي عادل، إبن زوجتي، دعوَتي للمجيء إلى مكتبي لأُكلِّمه في موضوع خطير، وهو أنّني اكتشفتُ أنّه زوَّرَ إمضائي على شيكات لصالِح حاملها ذات قيمة كبيرة. كنتُ حتى ذلك الحين أكنُّ له مودّة كبيرة، خاصّة أنه أمضى سنوات عديدة في بيتي، وصِرنا مع أمّه بالفعل كالعائلة الواحدة.

قَبل ذلك، هو عاشَ سنواته الثامنة عشر الأولى مع أبيه، بعد أن طرَدَ زوجته واحتفظَ بالولَد حصريًّا. تعرَّفتُ عليها بعد سنوات مِن طلاقها، لكنّنا لَم نُنجِب بسببي. بعد فترة طويلة، إتّصلَ بها ابنها وأعرَبَ عن رغبته بالعيش معها، أي معنا، ولم أمانِع. فلقد حرمَها أبوه منه، وأنا حرَمتُها مِن الإنجاب، فكيف لي أن أحرِمها مُجدّدًا مِمّا يتعلّق بالأولاد؟

واتّضَحَ أنّ عادل شاب هادئ وذكيّ، وجرَت الأمور بيننا بسلاسة تامة. وها أنا، بعد حوالي عشر سنوات مِن استقباله في بيتي وتقاسمنا الحياة، أكتشِف أنه يسرقُني. لَم أقُل شيئًا لزوجتي الحبيبة كي لا أُزعِلها، فأنا لَم أتضرَّر كثيرًا، لأنّ المصرف اكتشفَ فورًا أنّ الإمضاء مزوّر واتّصلَ بي، فأوقَفتُ كلّ شيء.

دخَلَ عادل مكتبي غير عالِم بما كنت سأقوله، وعندما كشَفتُ له عن سبب دعوَتي له، هو أنكَرَ في البداية، ثمّ بدأَ يبكي بحرارة طالِبًا السماح. أكثر ما أزعجَني هو أنّه سرَقَ دفتر الشيكات مِن أغراضي في البيت، أيّ أنّه لم يكن هناك شيء مِن مُمتلكاتي بأمان بوجوده.

لذلك طلبتُ منه أن يرحَل، خاصّة أنّه كان في الثامنة والعشرين مِن عمره، وقادِرًا على تدبّر أمره بمفرده والعَيش مِمّا يجنيه مِن عمَله. لَم يُجادِلني عادل، بل قَبِلَ أن يترك بيتي مقاِبل عدَم رفعي شكوى ضدّه عند الشرطة.

بقي عليّ إبلاغ أمّه، وكان الأمر بالفعل صعبًا بسبب تعلّقها الكبير به.

عند معرفتها بالموضوع، بدَت زوجتي قلِقة جدًّا بشأن ما فعلَه عادل معي، وحاوَلت إقناعي بأن أُسامحه. لكنّها لَم تفهَم أنّ غضبي لَم يكن بسبب التزوير فقط، بل بسبب خَرقه لثقتي به، بعد كل ما قدّمتُه له، وأنّني لا أستطيع السماح له بالبقاء معنا بأيّ شكل مِن الأشكال.

في المساء، جاءَ إبن زوجتي، وحزَمَ أمتعته، وغاَدرَ على الفور. بعد ذلك، لَم تتحدَّث إليّ زوجتي على الاطلاق حتّى بدأتُ أشعُر ببعض الذنب، لكنّني فكّرتُ جيّدًا وبقيتُ على قراري.

وعلى مرّ الأيّام، بدأتُ أشتاق لعادل ولوجوده في بيتي، فلا تنسوا أنّني اعتبَرتُه بمثابة إبن لي. آه... لماذا فعَلتَ ذلك بي، يا عادل، لماذا؟ ثمّ أتَت زوجتي لتُخبرني أنّها ستنتقِل للعَيش مع ابنها الذي استأجَرَ شقّة صغيرة، لأنّها لَم تكن قادِرة على تفضيلي عليه بعد سنوات طويلة مِن الحرمان منه. وأثارَت موضوع عقري بطريقة بشِعة، وكانت هذه المرّة الأولى التي تحدَّثَت لي فيها عن عجزي عن الإنجاب. فحتّى ذلك الحين، كان الموضوع غير مُثار على الاطلاق، وقد شكرتها ضمنيًّا كثيرًا على ذلك.

عندها، شعرتُ حقًّا أنّني فقدتُ زوجتي، وربما إلى الأبد. تركتُها تغادِر بعد أن حاوَلتُ كثيرًا إقناعها بالبقاء، وذرَفتُ الدموع عندما أغلَقَت الباب خلفها.

ماذا كانت تريدُ مني أن أفعَل؟ أن أعيشَ مع شخص أرادَ سرِقتي بينما عامَلتُه وكأنّه مِن لَحمي ودَمي؟ أليس كافيًا أنّني لم أشتكِ عليه؟ على أيّ حال، مهما فعلتُ، لن أستطيع التغلّب على الرابِط الموجود بين الأمّ وابنها، وكانت معركتي خاسِرة مِن البداية.

لم أُخبِر أحَدًا بالسبب الحقيقيّ لمغادرة زوجتي، بل اخترَعتُ أعذارًا، وبقيتُ وحيدًا مع الحقيقة بينما انتقدَني الكثيرون. فكانت زوجتي إنسانة محبوبة، ومع ذلك كان هناك شخص واحد سعيدًا برحيلها: جارتنا سلوى. إذ أنّها قالَت لي:

- مع ألف سلامة!

 

- ما هذا الكلام يا سلوى، فهي صديقتكِ!

 

- لا، بل فقط جارَتي. في البداية صدَّقتُ كلماتها وتصرّفاتها وظنَنتُ أنّها امرأة رائعة، لكن مع مرور الوقت، فهمتُ حقيقتها جيّدًا جدًّا.

 

- ماذا تعنين؟ تكلَّمي!

 

- إِنّها لا تَشبَع!

 

- مِمّا؟ ما هذا الكلام، يا سلوى؟

 

- مِن المال! تُريدُ دائمًا المزيد والمزيد والمزيد!

 

- زوجتي؟؟؟ مِن المُؤكّد أنّنا لا نتكلَّم عن الشخص ذاته، فهي لا تَطلُب منّي شيئًا على الاطلاق!

 

- أجل، أنا أتكلَّم عن زوجتكَ! في البدء، ظننتُكَ بخيلًا تحرمُ زوجتكَ مِن الأمور البديهيّة، فأقرَضتُها بعض المال. ثمّ هي عادَت وطلَبَت المزيد، وفي كلّ مرّة لأغراض حياتيّة، قائلة إنّها لا تأكل جيّدًا لأنَكَ لا تُعطيها ما يلزم، أو أنّها بحاجة إلى ملابس داخليّة وأمور كهذه.

 

- إنّكِ تكذبين يا سلوى!

 

- أبدًا! وفي كلّ مرّة هي كانت تذرِف الدموع، وتقسُم لي بأنّها ستعيدُ لي مالي عندما يتمكّن ابنها مِن مساعدتها، لكنّها لَم ترُدّ لي شيئًا، بل استمرَّت بالطلب والطلب. حزِنتُ كثيرًا مِن أجلها، إلى حين أخبَرتُ جارتنا في الطابق الرابع عمّا تتحمَّله زوجتكَ مِن جرّاء بخلكَ، إلا أنّها ضحِكَت في وجهي، وقالَت لي إنّ زوجتكَ ليست محرومة مِن شيء في بيتكَ، بل العكس. فلقد جاءَت أيضًا إليها تلك المُحتالة وطلبَت منها المال، لكنّ الجارة لَم تقَع في الفخّ. فبدأتُ أنتبِه لأمور عديدة، كتغييرها لملابسها عندما تأتي لتطلَب المال، أذ كنتُ أراها مِن الشبّاك لابسة فسطانًا جميلًا، ثمّ آخَر قديمًا عندما تدقُّ بابي. وفي أحَد الأيّام طلبتُ منها أن ترُدّ لي كلّ الذي أقرَضتُه لها، وأذ بها تتحوَّل إلى امرأة كريهة، صارِخةً بأنّها ستشّوِه سُمعتي في المبنى إن طالبتُها بقرش واحِد، وبدأَت تبعَث لي رسائل تهديد تأمرُني فيها بالابتعاد عنها، ونسيان موضوع المال وإلا ندِمتُ على ذلك كثيرًا.

 

- أنا آسف، لكنّني لا أصدّقُكِ يا سلوى.

 

- أُنظُر بنفسكِ إلى الرسائل!

 

قرأتُ رسائل التهديد الموجودة على هاتفها، وكانت المرأة تقول بالفعل الحقيقة! بعد ذلك، صعدتُ إلى جارتنا في الطابق الرابع، التي قالَت لي الكلام نفسه عن زوجتي، فعُدتُ إلى البيت رجُلًا مكسورًا، فكان مِن الواضِح أنّني لم أكن أعرِف شريكة حياتي جيّدًا... أو على الإطلاق!

ثمّ خطَرَ ببالي شيء أرعبَني: لدى معرفتي بالشيكات المزوّرة، إتّهَمتُ على الفور عادل، فلَم أشكّ للحظة أنّ شخصًا آخَر فعَلَ ذلك، إذ أنّنا لَم نكُن سوى ثلاثة في البيت، وكان مِن غير المعقول أن تكون زوجتي هي التي سرقَت دفتر شيكاتي.

لكن بعد الذي علمتُه مِن الجارتَين، تلاشى الشكّ. لذا إتّصلتُ بعادل وقلتُ له مِن دون مقدِّمة: "أعرِفُ أنَّك لست الفاعِل، بل أمّكَ".

سكَتَ ابن زوجتي مطوّلًا، ثمّ قال: "أنتَ على حق... حين واجهتَني بموضوع تزوير الشيكات، إستوعَبتُ بعد ثوانٍ أنّها أمّي، فمَن غيرها، وقرَّرتُ حمايتها؟ إسمَع، هي لطالما كانت جشِعة وكاذِبة، وهذا بالذات ما حمَلَ أبي على إبعادها عنه وعنّي. لكنّني لَم أستطِع العَيش مِن دونها، فعُدتُ إليها وسكَنتُ معكما. لكن منذ وصولي، وهي تستنزِفُني وتأخذ معظم راتبي منّي.

- لكنّني لَم أُلاحِظ عليها شيئًا، فلَم تبدُ لي وكأنّها بحاجة إلى أكثر مِمّا أُعطيها!

 

- ربّما هي خافَت أن تتركها أنتَ الآخَر، فألقَت شباكها على كلّ مَن حولها بطريقة سلِسة. لكنّني وقفتُ أخيرًا في وجهها لأنّني أرَدتُ وضع المال جانِبًا لأتزوّج يومًا، فخطَرَ ببالها تزوير الشيكات. قرَّرتُ تحمّل المسؤوليّة لأنّها أمّي وحسب.

 

- لكنّها سكتَت وقبِلَت أن أطرُدكّ على أن تعترِف بالحقيقة... أيّ أمّ هذه؟

 

- لا بل لحِقَت بي، لأنّها تعلَم أنّني لَن أحرِمها مِن المال بعدما صِرنا لوحدنا.

 

- عليكَ وضع حدٍّ لهذا المهزلة، يا عادل.

 

- إنّها أمي.

 

- لا، فالأمّ لا تفعَل ذلك بوَلَدها. إسمَع منّي وانتقِل إلى مكان آخَر، مِن دون أن تُعلِن عنه لأحَد. إرحَل وابنِ حياتكَ... وإن احتَجتَ لشيء، فأنا مُستعِدّ لمساعدتكَ.

 

- أنتَ؟

 

- أجل، ففي قلبي شعور قويّ بالأبوّة تجاهكَ.

 

- شعور قويّ؟ شعور أقوى مِن شعور أمّي تجاهي... يا للعجَب!

 

- إرحَل بعيدًا يا عادل، ولا تنظُر وراءكَ، فالحياة أمامكَ!

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button